روائع مختارة | قطوف إيمانية | الرقائق (قوت القلوب) | خطّـــــان

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة


  خطّـــــان
     عدد مرات المشاهدة: 2182        عدد مرات الإرسال: 0

خمسة أعوام مرت على زواجها.. بحلوها ومرها، لم يكن فيها ما ينغص أو يصدم، سوى مرارة الحرمان من الذرية.

إشتاقت إلى الأمومة حتى بلغ الشوق منتهاه، وعبر الألم مداه، فلم تعد تنزعج لأسئلة الفضوليين، أو الحمل السريع للمتزوجات بعدها بسنين، أو تلميحات المبغضين من أهل زوجها حول الخطر الذي يهدد الحياة الزوجية لمن لا تنجب.

حتى الإحساس بالفقد الذي تنطق به عينا زوجها لم يعد يؤلمها، ولم يعد قلبها يخفق إذا تأخرت صدمتها الشهرية، فقد اعتادت أن تفاجئها ولو بعد حين محطمة الأمل الوليد في مهده.

كفت عن التردد على الأطباء بعد أن أكدوا جميعا سلامة زوجها تماما، أما هي فكانت لديها بعض المشكلات، ولكن علاجها من منشطات وغيرها لم يثمر.

كان أشد ما يزعجها هي كلمات المواساة التي تصدر عن المحبين والمتعاطفين، والتي تفتقر إلى الأمل والكياسة، كلمات غير موقفة تصبرها بأن الدنيا عاجلة، وأن الإنسان لا يأخذ فيها كل ما يشتهيه.. كلمات صادقة ولكنها تحمل رسالة اليأس على خلاف الهدي النبوي الذي يسعى لرفع الروح المعنوية، وبث الثقة في الله «إذا دخلتم على المريض ‏ ‏فنفسوا ‏ ‏له في أجله فإن ذلك لا يرد شيئا ويطيب نفسه».

لم يكن إعتيادها على تردد هذه المزعجات والمؤلمات، والكلمات الطائشات التي لم تعد تجرحها كثيرا.. لم يكن يأسًا وإنما قوة إكتسبتها مع الأيام، وتأقلم أعانها الله به على المضي في حياتها، والإستمتاع بها، ورؤية نصف الكوب المليء.

لم تفقد أملها في الله، وفي الليالي العابسة كانت تطرد عن نفسها ضباب اليأس والإستبعاد والإستصعاب، لتقوم الليل وتدعو دعاء الواثق وتلح على ربها:

{ربِّ هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء}.

{رب لا تذرني فردًا وأنت خير الوارثين}.

يا من وهبت زكريا وإبراهيم.. ومننت على سارة وأم مريم.. إرزقني ذرية مباركة صالحة.

كانت تطيل الدعاء في السجود، وترفع يديها متضرعة.. حتى تنسيها حلاوة الدعاء ولذة القرب حاجتها، وتنهمر دموعها فتشعر بقرب الإجابة، فهي بين يدي سميع قريب، رحيم كريم، يسأله من في السماوات والأرض، كل يوم هو في شأن.

وعندما تأخر موعدها الشهري هذه المرة لم تشأ أن تطلب من زوجها أن يحضر لها إختبار حمل، فقد كانت ذكرى المرارات السابقة مع هذا الإختبار كفيلة بصرف الفكرة تماما.

فكم بكت بسبب هذا الإختبار؟

وكم واساها زوجها وهو يحتاج إلى المساواة؟

وكم حلمت في منامها واليقظة بخطين أحمرين يعلنان بداية حياة جديدة، ولكن هذا الإختبار لم يمنحها سوى خطّا واحدًا.

قررت أن تشتريه بنفسها، ولا تخبر أحدًا، وبعد أن صلت الفجر كان موعد الإختبار.. للحظات خالجها الأمل فخفق قلبها بقوة، ولكنها أخذت نفسًا عميقًا، وأصرت على أن تهدأ فقد قامت بهذا الاختبار عشرات المرات قبل ذلك.. بدأت توطن نفسها على الرضا والإسترجاع عندما ترى خطًا واحدًا سلبيًا سالبًا للفرحة.

مدت يدها بعد مضي دقيقتين من إتباع خطوات الإختبار لتلتقطه ولكن يدها لم تستطع الإمساك به أكثر من ثانية.. ولم تستطع قدماها أن تحملاها فقد كان قلبها يطير.. لقد رأت خطان.

خطَّان لطالما حلمت بهما..

خطَّان سمعت بهما صوت وليد قادم..

خطَّان يؤذنان بفرحتها وإكتمالها..

أغرقتها الدموع.. ولهج لسانها حمدًا متلاحقًا، سجدت لله شكرًا.. وجلست غير مصدقة، أو بالأحرى منتظرة أن تفيق من الحلم الوردي الجميل، نعم لابد أنه حلم ستفيق منه ولابد.

لم يخرجها من فرحتها المذهولة سوى صوت باب البيت الذي أغلقه الزوج عائدًا من صلاة الفجر، ملقيًا السلام وباحثًا عنها.

إشتدت خفقان قلبها، ولم تستطع القيام.. فبقيت جالسة في مكانها والإختبار في يدها.

فزع زوجها لمرآها في حالة غريبة بدموعها وذهولها.. فإقترب منها واحتضنها: ما بكِ يا حبيبتي؟

لم تستطع الرد.. أمسك بيديها، وجدها ممسكة بالإختبار، فقال: ما الأمر يا حبيبتي.. ألم نتعاهد ألا تحزني أبدًا؟

نظرت إلى عينيه مبتسمة وقالت بصوت متهدج: الحمد لله.. أنا حامل.

لكم إشتاقت أن تخبر زوجها بهذه الكلمة: أنا حامل..

وكم تخيلت ردة فعله وسعادته، ولكن الخيال كان أقل بكثير من الحقيقة، فإن أمهر الأدباء ليعجز حقًا عن وصف سعادة هذا الرجل، الذي تجسدت الفرحة فيه، ولم ينس شكر ربه.

لو سئلت يومًا عن أسعد لحظة في حياتها، بعد أن أنجبت ثلاثة من الأبناء، وتغير شكل بيتها وحياتها، فستجيب بلا تردد: إنها لحظة رؤيتي للخطّين.. إنها لحظة لا تقدر مقاييس الأرض كلها عن تقديرها.

الكاتب: مي عباس.

المصدر: موقع رسالة المرأة.